عدم جواز استجواب المتهم إلا بموافقته أو دفعه للاعتراف بالجريمة

تنص المادة (14/3/ز) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية على "لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر فى قضيته، وعلى قدم المساواة التامة بالضمانات الدنيا التالية : أ) ..... ب) ..... ز) ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب".

ويعتبر هذا الحق الجوهرى مبدأً متأصلاً فى المادة 6 من "الاتفاقية الأوروبية"، حتى رغم أنها لم تنص عليه صراحة، حيث أوضحت المحكمة الأوروبية ما يلى: "رغم أنه غير مذكور بالتحديد فى المادة 6 من "الاتفاقية [الأوروبية]"؛ إلا أنه ما من شك فى أن حق (المتهم) فى التزام الصمت أثناء استجوابه، والحق الممنوح له بعدم تجريم نفسه، هما معياران من المعايير المعترف بها دولياً والتى تكمن فى صلب فكرة عدالة المحكمة التى تنص عليها المادة 6. وبتزويد المتهم بهذا اللون من الحماية ضد التعرض لضرب غير لائق من الإرغام من جانب السلطات، فإن هذه الحصانات تسهم فى تجنب أى خطأ فى تطبيق العدالة وتؤمن أهداف المادة 6".

وقد نصت المادة (274) من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك، وإذا ظهر أثناء المرافعة والمناقشة بعض وقائع يرى لزوم تقديم إيضاحات عنها من المتهم لظهور الحقيقة، يلفته القاضى إليها ويرخص له بتقديم تلك الإيضاحات. وإذا امتنع المتهم عن الإجابة، أو كانت أقواله فى الجلسة مخالفة لأقواله فى محضر جمع الاستدلالات أو التحقيق، جاز للمحكمة أن تأمره بتلاوة أقواله الأولى". واستجواب المتهم أمر جائز فى التحقيق الابتدائى، بل هو واجب أحياناً مثل ضرورته قبل اتخاذ إجراء الحبس الاحتياطى. إلا أنه فى مرحلة المحاكمة ينظر إلى الاستجواب على أنه وسيلة دفاع فحسب، فحظر على المحكمة الالتجاء إليه إلا إذا قبل المتهم ذلك، ولأنه وسيلة دفاع فإذا طلب المتهم أن تستجوبه المحكمة فلم تجبه إلى طلبه كان ذلك وجهاً لبطلان الحكم[1]. فإذا خالفت المحكمة نص المادة (274) إجراءات واستجوبت المتهم دون رضائه ترتب على ذلك بطلان الحكم بطلاناً نسبياً فإذا لم يتمسك به المتهم أمام محكمة الموضوع، فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض[2].

والاستجواب المحظور فى مرحلة المحاكمة، هو نفسه الاستجواب فى مرحلة التحقيق، أى مناقشة المتهم فى التهمة الموجهة إليه ومواجهته بالأدلة القائمة ضده مناقشة قد تؤدى به إلى قول ما ليس فى صالحه أو اعترافه بارتكاب الجريمة[3].

وتطبيقاً لذلك قضى بأن الاستجواب المحظور قانوناً فى طور المحاكمة وفقاً لنص المادة (274) إجراءات جنائية هو مناقشة المتهم على وجه مفصل فى الأدلة القائمة فى الدعوى إثباتاً ونفياً فى أثناء نظرها، سواء أكان ذلك من المحكمة أم من الخصوم أم من المدافعين عنهم، لما له من خطورة ظاهرة، وهو لا يصح إلا بناء على طلب من المتهم نفسه يبديه فى الجلسة بعد تقديره لموقفه وما تقتضيه مصلحته[4]. أما إذا كان الأمر لا يتعدى مجرد تقديم إيضاحات يرى القاضى لزوم تقديمها، فليس ما يمنع من طلبها من المتهم، ولا يعد ذلك استجواباً له. ويقصد بالإيضاحات استفسار المحكمة من المتهم عن بعض ما يظهر أثناء سماع الدعوى والمرافعة فيها وعما يرى تحقيقاً للعدالة سماع كلمته فى شأنه قبل الأخذ به له أو عليه[5]، وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا استفسرت المحكمة من الطاعن عما إذا كانت له صلة بأحد الشهود وما إذا كان قد توجه إليه بمنزله فليس فيه أى خروج على محارم القانون ولا مساس بحق الدفاع[6].

حظر استجواب المتهم أمام المحكمة قرر لمصلحة المتهم كما بينا، ويقع باطلاً كل مخالفة لهذا الحظر ولكن يجب أن يثبت المتهم أو محاميه اعتراضه على الاستجواب أمام المحكمة، وإلا سقط حقه فى التمسك بالبطلان. فالحق فى الدفع ببطلان الاستجواب يسقط إذا حصل فى حضور محامى المتهم دون اعتراض منه عملاً بالمادة (333) من قانون الإجراءات الجنائية. وقضى ببطلان الاستجواب لمجرد اعتراض المحامى عليه رغم قبول المتهم[7]. وهذا القضاء سليم لأن المتهم لا يستطيع أن يقدر مدى خطورة استجوابه على مصلحته فى الدفاع ومدى تعرضه لاحتمال قول ما ليس فى مصلحته وهذه حكمة وجود محام دارس للقانون بجواره، لذلك قنن مشروع قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1997 هذا القضاء، فنصت المادة (280) من المشروع على أنه "لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك ولم يعترض محاميه، فلم يكتف بقبول المتهم، وإنما اشترط فوق ذلك قبول محاميه حتى يمكن استجوابه.

ويلاحظ أن الحق فى الدفع ببطلان الاستجواب يسقط إذا حصل فى حضور محامى المتهم دون اعتراض منه عملاً بالمادة (333) من قانون الإجراءات الجنائية[8].

أما إذا كان المتهم قد اعترف من تلقاء نفسه، جاز للمحكمة وللخصوم مناقشته فى اعترافه لتبين مدى صدق الاعتراف، ولا يعد هذا استجواباً محظوراً على المحكمة، لأن الاستجواب المحظور كما بينا هو مواجهة المتهم بالأدلة ضده خشية أن يفضى إلى اعترافه ، أما وقد اعترف بغير استجواب ، فقد حق سؤاله لتبين مدى صدق الدليل على اعترافه ، وإذا كان الاعتراف قد لجأ إليه المتهم لإعفائه من العقاب فى الحالات التى نص عليها القانون ، فقضت محكمة النقض بأن من حق المتهم بالارتشاء مناقشة المتهم بالوساطة فى الرشوة إذا اعترف طالما أن المحكمة قد انتهت إلى الحكم بالإدانة استناداً لأقوال المتهم المعترف. وهو بالنسبة للمتهم بالارتشاء كشاهد إثبات ضده واعتبرت طلب مناقشة المتهم المعترف طلباً جوهرياً يتعين إجابة المتهم بالارتشاء إليه[9].

[1] د/ رؤوف عبيد – مبادئ الاجراءات الجنائية فى القانون المصرى 1989 – ص702.

[2] نقض 22 من يناير سنة 1951 – مجموعة أحكام النقض – س2 – ص541 – رقم 204.

[3] د/ رؤوف عبيد – مبادئ الاجراءات الجنائية فى القانون المصرى 1989 – ص703 ، ونقض 3 من يناير سنة 1929 – مجموعة القواعد القانونية – ج1 – ص123 – رقم 104 – طعن رقم 296 لسنة 46 ق.

[4] نقض 26 من مارس سنة 1973 – مجموعة أحكام النقض – س24 – ص427 – رقم 89 ، ونقض 24 من مارس سنة 1983 – مجموعة أحكام النقض – س34 – ص432 – رقم 88.

[5] نقض 17 من ديسمبر سنة 1945 – مجموعة القواعد القانونية – الجزء السابع – ص26 – رقم 32.

[6] نقض 26 من مارس سنة 1973 – مجموعة أحكام النقض – س24 – ص427 – رقم 89

[7] نقض 7 من نوفمبر 1955 – مجموعة أحكام النقض – س6 – ص1292 – رقم 378.

[8] نقض 10 من مايو سنة 1955 – مجموعة أحكام النقض – س6 – ص976 – رقم 291.

[9] نقض 22 مارس سنة 2004 – طعن رقم 37391 لسنة 73 قضائية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قاعدة تقيد المحكمة بحدود الدعوى

مبدأ المساواة بين الدفاع والادعاء (مساواة السلاح)

عدم جواز محاكمة المتهم أو معاقبته مرة ثانية عن جريمة سبق أن صدر فى حقه حكماً باتاً فيها