مبدأ تطبيق القانون الأصلح للمتهم
وقد أوردت هذا المبدأ المادة الخامسة من قانون العقوبات المصرى ، فبعد أن حظرت الفقرة الأولى منها رجعية القوانين الجنائية على الماضى ، نصت الفقرة الثانية منها على أنه "ومع هذا ، إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائياً قانون أصلح للمتهم فهو الذى يتبع دون غيره".
وهذا المبدأ لا يعد استثناء على مبدأ عدم رجعية النصوص الجنائية الأشد
بل هو محدد فقط لنطاق المبدأ الأخير فبينما يبين المبدأ الأخير حكم القانون فى
الجرائم الأشد ، يبين مبدأ رجعية النصوص الأصلح للمتهم حكم القانون فى الجرائم
الأخف[1].
وقد قضت المحكمة الدستورية
العليا فى مصر "أن ثمة قاعدتين تجريان معاً وتتكاملان فى أولاهما أن مجال
سريان القانون الجنائى ينحصر أصلاً فى الأفعال اللاحقة لنفاذه وثانيتهما سريان
القانون اللاحق على وقائع كان يؤثمها قانون سابق إذا كان أصلح للمتهم وتكامل هاتين
القاعدتين مؤداه أن الثانية فرع من الأولى ونتيجة حتمية لها وليست استثناء أو
قيداً عليها ، وكلتاهما معاً تعتبران امتداداً لازماً لقاعدة الشرعية الجنائية
ولهما معاً القيمة الدستورية ذاتها[2].
وواضح من صياغة نص المادة الخامسة من قانون
العقوبات التى قررت قاعدة القانون الأصلح للمتهم أنها اكتفت لسريان القاعدة مجرد
صدور القانون الأصلح حتى ولو كان قد تأخر العمل به لأن المشرع استعمل لفظ إذا صدر
قانون أصلح للمتهم فيجب تطبيق القانون الأصلح بمجرد صدوره وبصرف النظر عن التاريخ
الذى حدد لسريانه والعمل به.
ويجد مبدأ رجعية النصوص الأصلح للمتهم مبرره
فى حسن السياسة التشريعية التى تقضى بوجوب الأخذ باستمرار بأكثر الأفكار ملائمة
لمبدأ إنسانية قانون العقوبات ، شأنها فى ذلك شأن قاعدة أن الأصل فى الإنسان
البراءة كما يجد مبرره أيضاً فى انعدام مصلحة الدولة فى الإصرار على العقاب القديم
، ذلك أنه مادام المشرع لم يعد يرى فى ارتكاب الفعل الذى كان محلاً للعقاب خطورة
على النظام الاجتماعى ، أو حتى رأى فى العقاب الذى كان مقرراً له شدة لا مبرر لها
مما دعاه إلى تخفيفه ، فأية مصلحة ترجى من الإصرار على تنفيذ العقوبة القديمة.
ولم يرد النص على مبدأ رجعية القانون الأصلح
للمتهم فى الدستور المصرى بشكل منفرد إلا أنه الوجه الآخر لمبدأ شرعية الجرائم
والعقوبات المنصوص عليه فى الدستور ولازم من لوازمها وقد انتهت المحكمة الدستورية
العليا إلى أن مبدأ رجعية النصوص الجنائية الأصلح مبدأ دستورى. وقالت شرحاً لذلك "لئن نص الدستور فى المادتين 66 و187 منه على قاعدة
عدم رجعية القوانين العقابية إلا أن هذه القاعدة تكملها وتقوم إلى جانبها قاعدة
أخرى هى قاعدة القانون الأصلح للمتهم. وإن كان الدستور لا يتضمن بين أحكامه مبدأ
رجعية القوانين الأصلح للمتهم إلا أن القاعدة التى يرتكز عليها هذا المبدأ تفرضها
المادة 41 من الدستور التى تقرر أن الحرية الشخصية حق طبيعى وأنها مصونة لا تمس ،
وعلى تقدير أن هذه الرجعية ضرورة حتمية يقتضيها صون الحرية الفردية بما يرد عنها
كل قيد غدا تقريره مفتقراً إلى أية مصلحة اجتماعية"[3].
[1] Pradel (Jean) Droit penal general, 5 em ed
Cujas, Paris 1986, Page 201, No. 163.
[2] حكم المحكمة الدستورية
العليا فى 3 أكتوبر سنة 1998 فى القضية رقم 1 لسنة 19 قضائية – منازعة تنفيذ
دستورية.
[3] حكم المحكمة الدستورية
العليا الصادر فى 7 نوفمبر سنة 1992 – القضية رقم 12 لسنة 13 قضائية دستورية –
مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الخامس – المجلد الثانى – ص68 –
قاعدة رقم 7.
تعليقات
إرسال تعليق