بعض أقوال فى أهمية حق الدفاع
يكتب فقيد المحاماة المرحوم الأستاذ مرقس فهمى فى مذكرة له إلى محكمة النقض عن علاقة المحامى بالقاضى: "إن المحامى – حتى إذا تنكب العدل وضل الطريق فى مرافعته – فإن هذه الضلالة بذاتها إرشاد للقاضى – وإظهار لطريق العدل وتثبيت لعدالة القاضى – إذ يرى أمامه جهوداً تبذل لناحية معينة ، ثم يرى هذه الجهود عاجزة عن إسناد حجتها وتبرير موقفها ، فيكون هذا المظهر بذاته تنبيهاً إلى عدالة الناحية الثانية عملاً بقاعدة (وبضدها تتميز الأشياء). فموقف المحامى – سواء أخطأ أم أصاب – موقف إرشاد لمن يتبصر ويتعظ. إنه ملك الإنقاذ من الهاوية !! ، وإنك لا تنقذ من هاوية إلا إذا ألقيت بنفسك فى ظلماتها ، تعالج حالات قلب دفعه البؤس إلى قرارها.
وإنه من أكبر واجبات المنقذ أن يكون شفوقاً – ولولا هذه النزعة – نزعة المروءة
والنجدة لما عرفت المحاماة ..." إلى أن يقول: "من أجل هذا كان على المحامى
إذا وقف أن يرتدى السواد لأنه فى موقف أحزان تحاصره من كل ناحية – فحزن لمن ظُلم ،
وحزن لمن ظلم ، وحزن لضعف الإنسان – واحتمال خطأ العدالة – وهو وحده الذى يحمل هذه
الأحزان مجتمعة ، فهو ضحية النظام القضائى يتعذب به ولأجله على الدوام والاستمرار".
ثم يقول: "وإنه لمن الجلى أن توزيع المأمورية
بين اثنين القاضى والمحامى لا يقبل تفاضلاً بينهما ، فلا القاضى يستطيع أن يفهم لنفسه
جلالاً بدون المحامى المشخص لحق الدفاع ، وعملية قداسة الأحكام ، ولا المحامى يستطيع
أن يتصور لمأموريته شرفاً بدون القاضى الذى يحقق هذا الشرف ، ويعطيه صيغته النهائية
الملزمة للناس".
وفى نفس هذا الاتجاه يقرر جان أبلتون Jean Appelton المحامى والأستاذ بكلية الحقوق بجامعة ليون: "لقد كان الأقدمون على حق حين قرروا أنه لا
يكفى أن يتعشق المحامى مهنته ، بل إنه يتعين عليه أن يتيه بها فخراً ، ويتحدث عن إشراقها
دهراً ، لأن ذلك ليس كثيراً عليه ، مادام وهو يمارس عمله يجمع إلى مجد الطبيب فى فنه
شمائل الكاهن فيما يقدمه من بلسم العزاء".
وقد وضع الأديب الفرنسى جامبيتا
Gambetta دستور المحاماة الراقية وهو يصف أحد كبار المحامين وهو الأستاذ لاشو Lachaud فيقول عنه:
"كان يستمع إلى الرصاص يطلقه ممثل الاتهام إلى صدر موكله وكأنه يتحدث عن إنسان
لا يعنيه أمره ، حتى إذا ما وقف ليؤدى واجب الدفاع أدركت أنه فى غفوته كان يجمع الرصاص
والسهام ليردها فى قوة إلى جسد الاتهام الذى لا يلبث أن يخر صريعاً تحت طلقات صوته
العذب الذى يشبه الغناء حيناً ويشبه هزيم الرعد حيناً آخر. كان ينفعل بحق موكله ، وبظروفه
وآلامه ، ولكنه لم يكن يصرفه الغضب ، ولا يخرج عن صوابه لحظة واحدة فإن الذى يبكى ويثير
الإشفاق ، والذى يجذب الأسماع ويأخذ بلب القضاة لا يغضب ، ولا يخرج عن صوابه ، وإنما
يظل طوال ساعات مرافعته ممسكاً بأوتار أعصابه ، مستيقظ العقل ، عف اللسان" [1].
تعليقات
إرسال تعليق