الحق فى الطعن على الحكم بالإدانة أمام محكمة أعلى درجة طبقاً للقانون
تنص المادة (14/5) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية على أن: "لكل شخص أدين بجريمة حق اللجوء وفقاً للقانون إلى محكمة أعلى كيما تعيد النظر فى قرار إدانته وفى العقاب الذى حكم به عليه".
ورغم أن الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق
الإنسان والحريات الأساسية عام 1953 لا تنص صراحة على الحق فى الاستئناف إلا أن
قرارات المحكمة الأوربية تفيد أن هذا الحق متأصل فى الحق فى المحاكمة العادلة
المكفول بموجب المادة (6) من الاتفاقية الأوربية كما أنه مكفول صراحة فى المادة
(2) من البروتوكول السابع للاتفاقية الأوربية.
وينطبق بوجه عام الحق فى اللجوء إلى محكمة
أعلى لمراجعة أحكام الإدانة والعقوبات المقررة على كل شخص يدان بتهمة ارتكاب فعل
جنائى بغض النظر عن خطورة جريمته وقد أوضحت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن هذا
الضمان ليس قاصراً على أخطر الجرائم.
ورأت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن تهمة يصدر على
مرتكبها حكم بالسجن لمدة عام واحد إنما هى تهمة خطيرة بما يكفى لتبرير مراجعة
الحكم الصادر أمام محكمة أعلى سواء أكان القانون يصنف المعاقب عليه تحت بند
الأفعال الجنائية أم لا.
ومع هذا فالمادة (2/2) من البروتوكول (7) من الاتفاقية
الأوروبية تنص على أن الحق فى الاستئناف يجوز تقييده طبقاً للقانون إذا كانت
المخالفة جنحة بسيطة أو إذا جرت المحاكمة الابتدائية للمتهم أمام أعلى محكمة فى
الدولة ، أو إذا كان الحكم بالإدانة قد صدر بعد استئناف حكم ببراءة المتهم.
وقد أوضحت اللجنة الأمريكية
الدولية لحقوق الإنسان فى معرض حديثها عن الحق فى المحاكمة العادلة بموجب
الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان أن على المحاكم وهى تنظر دعاوى الاستئناف ألا
تكتفى بالتأكد من صحة الإجراءات المتبعة خلال جميع وقائع الدعوى ، بل أن تفحص كذلك
حيثيات الاستئناف كما أوضحت اللجنة أن نظر دعاوى الاستئناف أمام محاكم تفتقر إلى
الاستقلالية أو غير مؤهلة للقيام بوظيفة المراجعة القضائية أمران لا يتفقان مع
الحق فى الاستئناف الذى تكفله الاتفاقية الأمريكية ولن يكون الحق فى الاستئناف
فعالاً ما لم يبلغ المتهم بحيثيات حكم الإدانة الصادر ضده فى غضون فترة زمنية
معقولة ومن ثم فإن هذا الحق متصل بحق المتهم فى الحصول على حكم معلل (مسبب).
وقد نص الدستور المصرى الصادر عام 2012 فى المادة (77)
فى فقرتها الثالثة على: "وينظم القانون استئناف الأحكام الصادرة فى جنحة أو
جناية" ، وهو بذلك قد أصل لهذا الحق وزاد عليه وجوب استئناف الأحكام الخاصة
بالجنايات وذلك خلافاً للمعمول به فى النظام القضائى المصرى من أن الأحكام فى
الجنايات تكون نهائية ولا يطعن عليها إلا بطريق النقض فهذا حكم مستحدث وليس ذلك
فحسب بل نص فى المادة (234) منه على أن: "يسرى الحكم الخاص باستئناف الأحكام
الصادرة فى الجنايات المنصوص عليها فى الفقرة الثالثة من المادة (77) من الدستور
بعد سنة من تاريخ العمل به.
ولكن تم وقف العمل بهذا الدستور ونهيب بكل مشترك فى وضع
دستور جديد للبلاد أن يراعى النص على وجوب استئناف جميع الأحكام سواء مدنية أو
جنائية وسواء كانت أحكام محكمة الجنح أو الجنايات.
وقد نص قانون الإجراءات الجنائية المصرى على جواز
الاستئناف بالنسبة للجنح فى المواد (402) وما بعدها ، كما نص فى المادة (30) من
القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض على جواز
الطعن بالنقض فى الأحكام النهائية الصادرة من آخر درجة فى الجنح والجنايات وذلك
بشروط معينة.
وقد لوحظ فى فرنسا أن تاريخ
القانون القضائى قد شهد احتراماً لقاعدة ازدواج درجة التقاضى عدا بعض استثناءات
قررها المشرع. واستقر قضاء محكمة النقض ومجلس الدولة فى فرنسا على أن قاعدة ازدواج
درجة التقاضى تتعلق بالنظام العام ولا يجوز الخروج عنها إلا بنص تشريعى. وقد قضى
مجلس الدولة الفرنسى بأنه لا يجوز لمرسوم "decret" (يقابله القرار الجمهورى) أن يسلب حق الاستئناف اعتماداً على أن
ازدواج درجة التقاضى يعد مبدأ عاماً فى الإجراءات ، وأن التشريع وحده هو الذى يملك
المساس بهذا الحق[1].
وبناء على ذلك ، فلا يجوز للائحة التنفيذية
للقانون أن تسلب حق أحد أطراف الدعوى فى الاستئناف إذا نص عليه القانون.
إلا أنه بعرض الموضوع على المجلس الدستورى الفرنسى للنظر
فى مدى شرعية النص فى مرسوم على عدم جواز استئناف الأحكام الصادرة من المحكمة الابتدائية
فى شأن الرسوم والضرائب المشار إليهما قرر بأن قاعدة ازدواج درجة التقاضى لا تعد
ضماناً أساسياً فى مجال المنازعات الضريبية ، وأنه يمكن للسلطة اللائحية أن تلغى
الحق فى الاستئناف بمرسوم[2].
كما قرر المجلس الدستورى الفرنسى بالنسبة للمنازعات
الإدارية بأن تأخر المحكمة الإدارية فى الفصل فى الدعوى فى خلال مدة الشهرين التى
حددتها اللائحة ، يخرج الدعوى من حوزة المحكمة لتدخل فى اختصاص مجلس الدولة ويفصل
فيها أولاً[3].
وقيل بأن المجلس بهذا القرار اعتمد على أن الاستئناف لا
يعد من المبادئ العامة فى القانون مما يجيز للائحة النص على إلغائه ، وأنه ذو قيمة
لائحية محضة.
وقد ذهب الفقه الفرنسى فى ضوء قرارى المجلس الدستورى
سالفى الذكر إلى أن باب البحث ما زال مفتوحاً أمام المجلس الدستورى على أساس أن
قاعدة ازدواج درجة التقاضى تعد ضماناً للحياد القضائى يشبع مصالح المتقاضين على أساس
أن الفرصة المتاحة للمتقاضى فى عرض الدعوى على قضاة جدد تزيل أى شبهة حول استقلال
قضاة محكمة أول درجة.
وأضاف هذا الرأى أن قاعدة ازدواج درجة التقاضى تعد
عاملاً من عوامل الأمن القانونى لأن الاستئناف يتفادى ما عسى أن يشوب حكم محكمة
أول درجة من عيوب بسبب اعتمادها على ملف خلا من جميع أدلة الإثبات ، أو بسبب سوء
تقديرها وأن الاستئناف على هذا النحو يصبح أكثر من مجرد إعادة نظر ملف الدعوى لكنه
يعد طريقاً لإنهاء الفصل فى الدعوى، وأنه بناء على ذلك ، فإن قاعدة ازدواج درجة
التقاضى تعد مبدأ إجرائياً عاماً لا يجوز أن يلحقه المساس إلا بنص تشريعى ، بل إن
استبعاد الحق فى استئناف أحد الأحكام يعنى تعديل اختصاص محكمة الاستئناف ، مما لا
يجوز النص عليه إلا فى القانون إعمالاً لقاعدة أن القانون هو مصدر قواعد الإجراءات
الجنائية. وهى وجهة نظر لم يأخذ بها المجلس الدستورى الفرنسى.
وجاء القانون الفرنسى الصادر فى 15 يونيه سنة 2000 فأجاز
الطعن فى أحكام محاكم الجنايات ووصف البعض هذا التعديل بأنه يمثل ثورة هادئة
استجابت لطلب عام وللإحساس القضائى وللمبادئ الحاكمة فى الإجراءات الجنائية ذات
الأصول الدولية.
وفيما يتعلق بالقيمة الدستورية لقاعدة ازدواج درجة
التقاضى فى مصر عنيت المحكمة الدستورية العليا بإرساء مجموعة من المبادئ المتكاملة
تتمثل فيما يأتى:
أ) أن ما ينص عليه المشرع من عدم جواز الطعن فى بعض
الأحكام القضائية ، لا مخالفة فيه لنصوص الدستور التى لا تحول دون قصر التقاضى على
درجة واحدة فى المسائل التى فصل الحكم فيها[4].
ب) إن قصر التقاضى على درجة واحدة يدخل فى إطار السلطة
التقديرية للمشرع[5]
، وأن المشرع إذا اختار التقاضى على درجتين فإن كلاً منهما ينبغى أن تستكمل
ملامحها ، وأن يكون استنفادها بعد الانتفاع من ضماناتها دون نقصان ، ذلك أن
التقاضى على درجتين كلما كان مقرراً بنصوص آمرة يجب أن يتحدد وفق أسس موضوعية لا
يندرج تحتها مجرد سرعة الفصل فى القضايا بما يناقض طبيعتها ومع مراعاة ما يقتضيه
الصالح العام ومبدأ المساواة أمام القانون[6].
ج) أن الأصل فى الأحكام هو جواز استئنافها ، إذ يعد
النزاع على درجتين ضمانة أساسية للتقاضى لا يجوز حجبها عن المتخاصمين بغير نص صريح
، ووفق أسس موضوعية ، بما مؤداه أن الخروج عنها لا يفترض ، وذلك سواء نظر إلى
الطعن استئنافياً – فى الأحكام الصادرة بصفة ابتدائية – باعتباره طريقاً محتوماً
لمراقبة سلامتها وتقويم اعوجاجها أو نظر إليه كوسيلة لنقل النزاع برمته وبكامل
العناصر التى يشتمل عليها إلى المحكمة الاستئنافية لتعيد بصرها فيه من جديد[7].[8]
[1] C.E. 4 Fevrier 1944, notejeze, R.D.P.
1944, p. 176 et s.
[2] Dec No. 82 – 113 du 14 Mai 1980, Receueil jur.
Const. P. 78.
[3] Decision, No. 75 – 84 L du 19 Novembere 1975,
Rec. 1975, P. 35.
[4] المحكمة الدستورية العليا
فى 7 ديسمبر سنة 1991 فى القضية رقم 31 لسنة 10 قضائية دستورية – الجريدة الرسمية
فى 19 ديسمبر سنة 1991 (العدد 51 تابع).
[5] دستورية عليا فى 7 مارس
سنة 1998 فى القضية رقم 19 لسنة 19 قضائية دستورية – الجريدة الرسمية فى 19 مارس
سنة 1998 (العدد 12 تابع).
[6] دستورية عليا فى 7 فبراير
سنة 1998 فى القضية رقم 64 لسنة 17 قضائية دستورية – الجريدة الرسمية فى 19 فبراير
سنة 1998 (العدد 8).
[7] دستورية عليا فى 4 فبراير
سنة 1995 فى القضية رقم 39 لسنة 15 قضائية دستورية – مجموعة أحكام الدستورية
العليا – ج6 – ص511.
[8] د/ أحمد فتحى سرور –
القانون الجنائى الدستورى – دار الشروق 2006 – ص587 وما بعدها.
تعليقات
إرسال تعليق