حق المتهم أو محاميه مواجهة شهود الإثبات وحضور شهود النفى بنفس شروط مشاركة شهود الإثبات
تنص المادة (14/3 هـ) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية على أن "لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامة، بالضمانات الدنيا التالية:… أن يناقش شهود الاتهام، بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفى بذات الشروط المطبقة فى حالة شهود الاتهام".
وقد انتقدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان نظام "القضاة
المقنعين" المطبق فى كولومبيا؛ لأن أسماء القضاة وممثل الادعاء والشهود تظل مخفية
عن الدفاع فى محاكم النظام العام الإقليمية التى تنظر القضايا المتصلة بالإتجار في
المخدرات والإرهاب والتمرد وحيازة أسلحة بدون ترخيص. وقالت اللجنة إن هذا النظام لا
يتفق مع المادة (14) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ، خاصة الفقرة 3(ب)
و(هـ)، وأوصت بإلغاء هذه المحاكم.
ولم تمنع المحكمة الأوروبية تماماً الاستعانة بالشهود المجهولين
فى أية قضية ، ولكنها أشارت بضرورة التشدد فى تقييد الاستعانة بهم.
وقالت المحكمة المذكورة إن "جميع الأدلة يجب أن تقدم
فى الأحوال العادية فى جلسة علنية فى حضور المتهم بهدف السماح له بمناقشة الشهود. وعلى
الرغم من أن هناك استثناءات لهذا المبدأ، فلا يجب ألا تمس هذه الاستثناءات حقوق الدفاع.
فبوجه عام، تقضى الفقرتان 1 و3 (د) من المادة 6 من "الاتفاقية الأوروبية"
بضرورة منح المتهم فرصة كافية وحقيقية لتفنيد أقوال الشهود وسؤالهم سواء عندما يدلى
بأقواله أو فى مرحلة لاحقة.
وقد عارضت منظمة العفو الدولية استخدام أقوال الشهود المجهولين
فى عدد من البلدان، منها كولومبيا وبيرو، واعترضت على استخدامها فى المحاكم الدولية.
وقد نصت المادة (8/2 هـ) من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان
على أن "لكل متهم بارتكاب فعل جنائى الحق في أن تفترض براءته طالما لم يثبت ذنبه
وفقاً لأحكام القانون. ومن حق كل فرد، أثناء الإجراءات، على قدم المساواة التامة، الضمانات
الدنيا الآتية:
هـ) حق الدفاع فى مناقشة الشهود الحاضرين فى المحكمة وفى
استدعاء الخبراء المتخصصين وغيرهم من الأشخاص الذين يمكن أن يلقوا ضوءاً على الوقائع
للإدلاء بشهادتهم".
سماع الشهود فى حضور المتهم والمدافع عنه:
يجب أن تكون تلاوة الشاهد لشهادته فى حضور المتهم
والمدافع عنه حتى يتمكن من مراقبة شهادته ومناقشة الشاهد إذا أراد تحقيقاً لدفاع
المتهم[1] وهذه القاعدة مستنتجة من
المادتين (270)، (271) إجراءات اللتين تقرران أنه إذا أنكر المتهم التهمة الموجهة
إليه تسمع شهود الإثبات ويكون للمتهم حق سؤالهم ثم يسمع شهود النفى، وتطبيقاً
لذلك قضى بأنه إذا ندب محام للدفاع عن متهم بجناية بعد سماع الشهود تبطل إجراءات
المحاكمة[2]، كما قضى بأن إخطار
المحامى الأصيل عن المتهم ليحضر مناقشة الشاهد المستدعى أمر محتوم، لأنه مادام
القانون يأمر وجوباً بأن يكون للمتهم أمام محكمة الجنايات محام يدافع عنه فكل إجراء
يقع فى غير مواجهته يكون باطلاً[3]، ومما يؤيد ضرورة سماع
الشهود فى حضور المتهم والمدافع عنه أن المادة (77) من قانون الإجراءات الجنائية
أجازت لقاضى التحقيق أن يسمع الشهود بغير حضور الخصوم متى رأى ضرورة لذلك لإظهار
الحقيقة، ولم يرد مثل هذا النص بالنسبة للمحكمة.
ومن المقرر أن الأصل فى المحاكمات الجنائية هو التحقيق
النهائى الذى تجريه المحكمة بنفسها ذلك أن إدلاء الشهود بأقوالهم فى التحقيقات
الابتدائية أو فى محاضر جمع الاستدلالات لا يعفى المحكمة من واجبها فى سماعهم
أمامها، فللمتهم الحق فى سماع شهود الإثبات الذين سبق سماعهم فى التحقيق
الابتدائى وغيرهم ومناقشتهم فيما يدلون به من أقوال سواء فى مرحلة التحقيق
الابتدائى أو أمام المحكمة، ولا تملك المحكمة حرمان المتهم من هذا الحق بحجة أن
الشاهد سبق له أن أدلى بأقواله فى التحقيق الابتدائى وإلا تكون قد أخلت بحقه فى الدفاع
بما يبطل حكمها[4].
فحق المتهم فى سماع الشهود هو بما يبدوه فى جلسة المحاكمة ويستمع الدفاع مناقشته
إظهاراً لوجه الحقيقة[5].
كما أن من حق المتهم سماع شهود للواقعة سواء كانوا شهود
إثبات أو شهود نفى استبانت أسماؤهم لأول مرة أثناء المحاكمة. ولو لم يكن المتهم قد
أعلنهم[6]، وتطبيقاً لحق المتهم فى
سماع الشهود قضى بأن المحاكمات الجنائية – بحسب الأصل – تبنى على التحقيقات
الشفوية التى تجريها المحكمة بالجلسة فى حضور المتهم وتسمع فيها الشهود مادام
سماعهم ممكناً، وهى لا تكون فى حل من ذلك إلا برضاء المتهم أو المدافع عنه صراحة
أو ضمناً بحيث إذا لم تفعل على الرغم من تمسك المتهم بسماعهم فإنها تكون قد أخلت
بمبدأ شفوية المرافعة، فإذا كانت المحكمة قد التفتت عن طلب الطاعن سماع أقوال
الشهود تحقيقاً لدفاعه دون أن تبرر مسلكها فى الالتفات عن هذا الطلب، فإن قضاءها
يكون معيباً ومنطوياً على إخلال بحق الدفاع[7]. لكن إذا كان المتهم لم
يتبع الطريق الذى رسمه قانون الإجراءات الجنائية فى إعلان الشهود الذين يطلب
سماعهم أمام محكمة الجنايات، فلا تثريب على المحكمة إن هى أعرضت عن سماعهم[8]. فليس للمتهم الحق فى أن
يطلب من المحكمة تأجيل الدعوى لإعلان شهوده مادام قد صار إعلانه هو فى الميعاد
القانونى.
ويتصل بواجب المحكمة فى سماع الشهود، واجبها فى الأمر
بضبط وإحضار الشاهد الذى لم يحضر رغم إعلانه، سواء كان شاهد إثبات أو شاهد نفى
صرحت للدفاع بإعلانه، إذا ما تبين لها أن الشاهد يتهرب من استلام الإعلان ليتخلص
من أداء الشهادة، أو لمجرد أن يكون القاضى قد قدر أهمية تمسك الدفاع بسماع هذا
الشاهد، فإن امتنع القاضى عن القيام بهذا الواجب يكون قد أخل بحق المتهم فى
الدفاع[9].
إلا أن واجب المحكمة فى سماع الشهود يتحدد بأن تكون
شهادتهم منصبة على وقائع تقدر المحكمة جديتها وأهميتها بالنسبة لموضوع الدعوى
المنظورة، فإن رأت أن فيها خروجاً عن موضوع الدعوى كان لها أن تمنع الشاهد من
الإدلاء بها، كما يجب على المحكمة منع توجيه أسئلة إلى الشهود ترى أنها من غير
الجائز توجيهها إليهم طبقاً لنص المادة (273) من قانون الإجراءات الجنائية.
ولكن لا يشترط أن ترد الشهادة على الحقيقة المراد
إثباتها بأكملها وجميع تفاصيلها، بل يكفى أن تكون مؤدية إلى هذه الحقيقة باستنتاج
سائغ تجريه المحكمة[10]. كما يجوز أن تكون الشهادة
سماعية، بمعنى أن يشهد الشاهد بأنه علم بالواقعة التى يشهد عليها من الغير دون أن
يراها بنفسه، وهناك أيضاً الشهادة بالتسامع، وهى أن يذكر الشاهد بأن الناس
يرددون الحقيقة التى جاء يشهد عليها، وكل هذه الأقوال تكون محل تقدير القاضى.
تعذر سماع الشاهد:
ولا تلتزم المحكمة بسماع الشهود إذا ما كان سماعهم
أمامها متعذراً لأى سبب كان، مثال ذلك وفاة الشاهد، وكذلك إذا كان الشاهد من
المرخصين لهم بالامتناع عن الشهادة واختار استعمال هذه الرخصة فامتنع عن أداء
الشهادة مثل أصول المتهم وفروعه وأقربائه حتى الدرجة الثانية، أما مرض الشاهد فلا
يكفى وحده لتبرير عدم سماعه ولا وجوده فى السجن[11]، ولا يجوز للمحكمة الإعراض
عن سماع الشاهد بدعوى أنه لم يستدل على عنوانه مالم تبذل المحكمة جهداً فى التحقق
من تعذر إعلانه وإلا كان حكمها باطلاً.
الاعتراض على سماع الشهود:
ولكن المحكمة فى مباشرتها لواجب سماع الشهود يجب أن
تراعى ما نصت عليه المادة (379) من قانون الإجراءات الجنائية من أنه "لكل من
النيابة العامة والمتهم والمدعى بالحقوق المدنية والمسئول عنها أن يعارض فى سماع
شهادة الشهود الذين لم يسبق إعلانهم بأسمائهم" وذلك حتى يتمكن هؤلاء الأطراف
من الاستعداد لمناقشة هؤلاء الشهود وجمع المعلومات عنهم.
أقوال شهود النفى:
من واجب المحكمة أن تسمع شهود النفى كما تسمع شهود
الإثبات ولكنها غير ملزمة بالاستجابة إلى طلب سماع شاهد نفى لم يقم المتهم بإعلانه
طبقاً للمادة (214/2) إجراءات[12] إلا أن يكون شاهد النفى
شاهد واقعة فيجب سماعه سواء تم إعلانه أم لم يتم[13] وهى فى سبيل تكوين عقيدتها
لها أن تأخذ بأقوال أى شاهد وتطرح ما عداه، وهى إذا ما أطرحت أقوال الشاهد فهى
ليست ملزمة بالرد صراحة على ما شهد به سواء كان شاهد إثبات أو شاهد نفى، مادامت
قفد بينت رأيها فيه بأخذها بأدلة الثبوت التى بينتها فى الحكم[14] بل إن المحكمة لا تلتزم
بإيراد أقوال الشهود الذين لم تأخذ بشهاداتهم، ذلك أن المحكمة لا تلتزم بأن تورد
فى حكمها إلا الأدلة التى كونت منها عقيدتها، ويكون فى عدم إيرادها لأقوالهم ما
يفيد أنها أطرحت هذه الأقوال ولم تأخذ بها[15].
[1] الدكتور/ رؤوف عبيد –
المشكلات العملية الهامة فى الإجراءات الجنائية – الجزء الأول سنة 1980 – ص596.
[2] نقض 4 من فبراير سنة 1952
– مجموعة أحكام النقض – س3 – ص684 – رقم 254.
[3] نقض 20 من ديسمبر سنة
1928 – مجموعة القواعد القانونية – الجزء الأول – ص72 – رقم 57.
[4] نقض 10 من نوفمبر سنة
1993 – طعن رقم 22690 لسنة 61 قضائية (غير منشور).
[5] نقض 9 من يونية سنة 1969 –
مجموعة أحكام النقض – س20 – ص876 – رقم 174.
[6] نقض 7 من مارس سنة 1993 –
طعن رقم 11493 لسنة 61 قضائية (غير منشور).
[7] نقض 24 من مايو سنة 1965 –
مجموعة أحكام النقض – س16 – ص501 – رقم 101.
[8] نقض 23 من مايو سنة 1966 –
مجموعة أحكام النقض – س17 – ص658 – رقم 119.
[9] نقض 28 من مارس سنة 1938 –
مجموعة القواعد القانونية – الجزء الرابع – ص176 – رقم 186 – طعن رقم 295 لسنة 8
ق.
[10] نقض 25 من نوفمبر سنة
1953 – طعن رقم 1400 لسنة 23 قضائية.
[11] نقض 16 من فبراير سنة
1990 – مجموعة أحكام النقض – س41 – ص312 – رقم 51.
[12] نقض 5 من أكتوبر سنة 1988
طعن رقم 3029 لسنة 58 ق.
[13] نقض أول فبراير سنة 1988 –
طعن رقم 3922 لسنة 57 ق.
[14] نقض 22 من يونية سنة 1954
– مجموعة أحكام النقض – س5 – ص821 – رقم 265.
[15] د/ عبد الرؤوف مهدى – شرح
القواعد العامة للإجراءات الجنائية – ص1465 وما بعدها.
تعليقات
إرسال تعليق